تقرير يرصد استخدام قذائف الكراسنوبول…أخر الأسلحة الروسية لقتل السوريين
الإفلات من العقاب على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات النظام وروسيا واستخدام سوريا كحقل تجارب لتطوير الأسلحة الروسية، لن تقتصر آثارها على السوريين، إذ يظهر هذا السلوك تجاهلاً صارخاً للحياة البشرية والالتزامات بالقانون الدولي الإنساني
اتبعت قوات النظام وروسيا سياسة الأرض المحروقة في حربهم على السوريين طوال السنوات الماضية، مستخدمين ترسانة هائلة من الأسلحة المدفعية والصاروخية والغارات الجوية، مع هجمات أخرى بالأسلحة الكيميائية والمحرمة دولياً مثل الذخائر العنقودية والفسفورية، والصواريخ الموجهة والصواريخ بعيدة المدى، وكان للتدخل الروسي المباشر في سوريا لدعم نظام الأسد في أيلول عام 2015 آثار مباشرة انعكست بحجم الهجمات الجوية التي ارتفعت بشكل كبير، وزيادة القدرة النارية لنظام الأسد والتي تضاعفت وتغيرت معها خريطة السيطرة العسكرية وما تبعها من تهجير ممنهج للسوريين.
وتفاخرت روسيا بأنها جعلت من أجساد السوريين ومنازلهم حقل تجارب واقعي لتدريب قواتها واستعراض قدراتها وتطوير أسلحتها، مؤكدة أنها جرّبت أكثر 320 نوعاً من السلاح، وفي كل مرة تقوم بتطوير أو تعديل سلاح أو ذخائر تقوم بنشر مقاطع مرئية بهدف الترويج لهذه الأسلحة وحصلت على حصة كبيرة من سوق الأسلحة العالمية، وهو أحد أهدافها من حربها على السوريين.
وبعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار من عام 2020 ، تراجعت نسبياً حدة الهجمات و بدأت تتخذ شكلاً آخر تميز بالمنهجية باستهداف البنى التحتية وعوامل استقرار المدنيين والعمال الإنسانيين، مع توجه واضح لفرض حالة من عدم الاستقرار دون أن تصل الهجمات لتأخذ نمط حملات عسكرية، ولكن أثرها كان كبيراً على أرواح المدنيين وعلى المرافق العامة، والعمال الإنسانيين.
وفي شهر آذار من عام 2021 بدأت الهجمات المدفعية والصاروخية تأخذ نمطاً جديداً، على مدار السنوات العشر الماضية كان اعتماد قوات النظام وروسيا على سياسة الأرض المحروقة وكثافة النيران، لكن نمط الهجمات اختلف تماماً من حيث الدقة الكبيرة في إصابة الهدف وشدة التدمير الذي يخلفه انفجار القذيفة، وكانت الحادثة الأولى التي وثقتها فرقنا هي استهداف مشفى مدينة الأتارب غربي حلب في 21 آذار عندما استهدف قصف أرضي لقوات النظام وروسيا المشفى، ما أدى لمجزرة راح ضحيتها 9 قتلى مدنيين بينهم طفلان وامرأة، وجرح أكثر من 14 آخرون، بينهم 5 من كوادر المشفى، رغم أن المشفى الذي تديره الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) تمت مشاركة إحداثياته مع الأمم المتحدة من خلال آلية تبادل الإحداثيات لتحييد المنشآت الطبية عن الصراع.
إصدار تقرير يرصد الهجمات بقذائف "الكراسنوبول"
استجابت فرقنا للهجمات التي نفذتها قوات النظام وروسيا باستخدام قذائف الكراسنبول الموجهة بالليزر وأصدرت تقريراً يرصد استخدام هذا النوع من القذائف والآثار التي خلفتها ومنهجية استخدامها لاستهداف المرافق العامة وعلى رأسها المشافي، والعمال الإنسانيين، ومنازل المدنيين، إذ وثقت فرقنا 63 هجوماً باستخدام
هذا السلاح القاتل وتبلغ نسبة هذه الهجمات 4٪ فقط من الهجمات بمختلف أنواع الأسلحة، خلال الفترة التي يغطيها التقرير والممتدة من توثيق أول هجوم في 21 آذار من عام 2021 حتى 31 كانون الأول من العام نفسه في شمال غربي سوريا، إلا أنها أسفرت عن 20٪ من جميع الوفيات في صفوف المدنيين.
منهجية التقرير
يستند التقرير إلى عدد من مصادر البيانات، واعتمد على تقارير الاستجابة للهجمات التي توثقها فرق الدفاع المدني المستجيبة، كمصدر أولي، والتي تشمل التاريخ والموقع ونوع الهدف ونوع الهجمات و القذيفة و الجهة المشتبه بها في ارتكاب الهجمات وعدد ضحايا كل هجوم تستجيب له، ويعتمد التقرير أيضاً على توثيقات المتطوعين من صور وفيديوهات وبقايا ذخائر، وعلى بيانات من الشهود، بمن فيهم متطوعو الخوذ البيضاء، إلى جانب البحوث المكتبية الإضافية.
ماهي قذيفة كراسنوبول
يستعرض التقرير شرحاً عن قذائف كراسنوبول وعن أقسامها وآلية عملها، وهي قذائف روسية الصنع شبه أوتوماتيكية موجهة بالليزر و مثبتة الزعانف و متفجرة، وتم تطويرها في الثمانينات ويتم إنتاج القذائف من عيار 155 ملم و 157 ملم ليتم إطلاقها من مدافع الهاوتزر. بعد الإطلاق، تتواصل القذيفة مع مُحدد ليزر خارجي يضيء هذا المُحدد الهدف باستخدام ليزر ويرسل إشارات لتوجيه مسار القذيفة و يصل مداها إلى 7 كم، وتصل دقة إصابة الهدف إلى 90٪، و القذيفة في الأصل لمواجهة الدبابات واختراق التحصينات الصعبة.
المرافق التي استهدفتها هجمات كراسنوبول
يوثق التقرير الاستجابة لهجمات قذائف الكراسنوبول شديدة التدمير الموجهة بالليزر والبالغ عددها 63 هجوماً موثقاً في شمال غربي سوريا، وشملت أهداف هذه الهجمات البنية التحتية المدنية التي يحميها القانون الإنساني الدولي، في مناطق حيوية قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام وروسيا، وتضم هذه المنطقة عدداً كبيراً من المدنيين الذين عادوا بعد وقف إطلاق النار.
واستهدفت الهجمات 43 منزلاً، و 11 هجمة على الحقول الزراعية واستهدفت الهجمات أيضاً مخيمات المهجرين، ومستشفى الأتارب غربي حلب، ونقطة مرعيان الطبية جنوبي إدلب ومركز للخوذ البيضاء في بلدة قسطون في سهل الغاب.
ويشكل هذا النوع من الذخائر خطراً كبيراً على المدنيين بسبب دقة الإصابة وشدة تدميره ويمكن أن تخترق القذيفة الجدران وتسبب ضرراً شديداً للمباني حيث أن معظم المباني التي تم استهدافها بقذائف كراسنوبول قد دُمرت بالكامل.
70 شخصاً ضحايا الهجمات بينهم 29 طفلاً
وصف التقرير قذائف كراسنوبول بأنها "قذائف لا يمكن الاختباء منها"، ووثق مقتل 70 شخصاً وإصابة 102 آخرين خلال الفترة التي غطاها التقرير (من 21 آذار حتى 31 كانون الأول عام 2021)، وشكل الأطفال عدداً كبيراً من الضحايا حيث قُتل 29 طفل وجرح 33 آخرون ومن بين الضحايا أيضاً متطوعان من الخوذ البيضاء، قُتلا خلال هجمتين منفصلتين، وأكد التقرير أثر هذه الهجمات القاتلة على استقرار المدنيين واضطرارهم إلى النزوح مجدداً بشكل قسري إلى مناطق أخرى في شمال غربي سوريا بحثاً عن الأمان.
متطوعو الخوذ البيضاء هدف لقذائف كراسنوبول
أشار التقرير إلى الهجمات التي استهدفت متطوعي الخوذ البيضاء، إذ أسفر هجومان منفصلان باستخدام كراسنوبول من قبل قوات النظام وروسيا، عن مقتل اثنين من متطوعي الخوذ البيضاء وإصابة سبعة آخرين، إذ استهدف هجوم مركز الخوذ البيضاء في قرية قسطون في ريف حماة الغربي في 19 حزيران 2021، ما أسفر عن مقتل المتطوع "دحام الحسين"، وإصابة خمسة آخرين من المتطوعين، وتسبب الهجوم بتدمير المركز بشكل كامل، ودمرت العديد من سيارات الإنقاذ والإطفاء.
واستهدفت الهجوم الثاني (وهو هجوم مزدوج) فريقاً من الخوذ البيضاء أثناء استجابته على هجوم في قرية سرجة حيث قُتل المتطوع الإعلامي "همام العاصي"، وأصيب اثنان آخران من زملائه في 17 تموز 2021، كما أسفر الهجوم عن مقتل خمسة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال وامرأة، وإصابة أربعة آخرين، و كان المتطوع همام وزملاؤه يحاولون إنقاذهم، إذ تتعمد قوات النظام وروسيا استخدام تكتيك الهجمات المزدوجة بإعادة استهداف المنطقة بعد ترك فترة زمنية ليكون وصل المسعفون لإنقاذ من استهدفه الهجوم الأول، يهدف هذا النوع من الهجمات إلى زيادة عدد الضحايا، واستهداف أولئك الذين يقدمون الخدمات الإنسانية والطبية الطارئة على وجه التحديد.
توصيات التقرير
اختتم التقرير بجملة من التوصيات موجهة إلى المجتمع الدولي، تطالب بإجراء تحقيق خاص من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، حول استخدام نظام الأسد وروسيا لقذائف كراسنوبول وغيرها من الأسلحة المتطورة في قتل السوريين وتدمير مدنهم، وطالب التقرير أيضاً بإدانة هذه الهجمات، وفرض عقوبات على أي طرف يبيعها لنظام الأسد، واستغلال كافة القنوات المتاحة لمنع الإفلات من العقاب وتقديم مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا إلى العدالة، والسعي إلى حل ينهي مأساة السوريين، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254.
إن الإفلات من العقاب على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات النظام وروسيا واستخدام سوريا كحقل تجارب لتطوير الأسلحة الروسية، لن تقتصر آثارها على السوريين، إذ يظهر هذا السلوك تجاهلاً صارخاً للحياة البشرية والالتزامات بالقانون الدولي الإنساني بضمان حماية المدنيين بعد أن امتدت الهجمات لتشمل شعوباً أخرى، يجب على المجتمع الدولي أن يقف ضد الإفلات من العقاب وأن يحمي المدنيين، والبشرية اليوم على المحك أكثر من أي وقت مضى لحماية قيمها وإنسانيتها.
لقراءة التقرير كاملاً: 👇