linkedin twitter facebook github pinterest left right up down youtube instagram email menu close

ستة أشهر على كارثة الزلزال المدمر... العمل مستمر لإعادة الحياة

يوماً بعد يوم يبدو عمق الأثر والتغيير الذي تركته الكارثة أوضح والذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي و زاد من تآكل قدرة المجتمعات على التعافي وإعادة البناء، بعد 12 من الحرب، ومع مرور الوقت يجب ألا تُنسى مأساة السكان في شمال غربي سوريا.

مضت ستة أشهر على كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط الماضي، ثوانٍ قليلة كانت كفيلة بتغيير حياة آلاف الناس ومعالم عشرات القرى والبلدات، كان الزلزال حدثًا كارثيًا ترك أثرًا دائمًا على المناطق المتضررة ومنها شمال غربي سوريا التي تعاني من كارثة أكبر متمثلة في حرب روسيا والنظام المستمرة منذ أكثر من 12 عاماً، لم يتسبب الزلزال في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب، بل شكل أيضًا تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وعجز المجتمع الدولي في الاستجابة وتغافله عن تسييس المساعدات الإنسانية.

مدن وبلدات سوريا بعد 6 أشهر من الزلزال

غيّر الدمار الذي خلفه الزلزال من وجه المدن والبلدات في شمال غربي سوريا التي تعاني من دمار حملات القصف وغارات النظام وروسيا منذ أكثر من 12 عاماً. الصورة المأساوية للزلزال أصبحت أوضح بعد إزالة الأنقاض والدمار وهدم الأبنية والجدران المتصدعة والتي تشكل خطراً على المدنيين. وقامت فرق الدفاع المدني السوري - الخوذ البيضاء - بإزالة أكثر من 422 ألف متر مكعب من الأنقاض ضمن 133 تجمع سكني، وفتحت طرقاً بطول 210 كم في 216 تجمع سكني كما قامت بتنفيذ أكثر من 610 عملية هدم سقف أو جدار بحجم يتجاوز الـ 26,678 متر مكعب ضمن 103 تجمع سكاني لحماية المدنيين من المخاطر الناتجة عن انهيار الأسقف والجدران في المباني المتضررة والمنشآت العامة والمدارس. علاوة على ذلك، أثر الزلزال على البنية التحتية بدى جليّاً بالضرر الذي لحق بالمرافق الأساسية مثل المشافي والمدارس ما أدى إلى إعاقة القدرة على توفير خدمات الرعاية الصحية والتعليم المناسبة للسكان المتضررين، وزاد من فرص انتشار الأمراض والأوبئة.

كما ترك الزلزال آلاف العائلات بلا مأوى واضطرت العديد من العائلات إلى البحث عن ملاذ في مراكز الإيواء المؤقتة أو الانتقال إلى مناطق مختلفة، وفقد أكثر من 200 ألف شخص منازلهم فجأة جراء الزلزال ليلحقوا بأكثر من مليون مهجّر تركوا بيوتهم مجبرين بسبب حملات روسيا والنظام العسكرية، وساعدت فرقنا بتأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تم فرش وتسهيل طرق وأرضيات صلبة للمخيمات بمساحة فاقت الـ 373 متر مربع ضمن 259 تجمع سكاني.

الأمم المتحدة والخذلان المتكرر للسوريين

وأكدت كارثة الزلزال التخاذل المستمر للأمم المتحدة تجاه مآسي السوريين المستمرة منذ 12 عاماً وهذهِ المرة تُرِكوا لمصيرهم أمام كارثة تعجز الدول عن مواجهتها. وأمام هذهِ الكارثة الكبيرة غابت الأمم المتحدة عن الاستجابة للزلزال كلياً خلال الـ 72 ساعة الأولى المهمة في إنقاذ الأرواح واقتصرت المساعدات الأممية على مساعدات مجدولة لاحقاً ولم تأتِ في إطار الاستجابة للكارثة، لم يقتصر خذلان الأمم المتحدة للسوريين على ذلك ورغم الازدياد المتواصل في الحاجات الإنسانية في شمال غربي سوريا فقد توقف دخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى منذ الـ 10 من تموز بعد انتهاء التفويض الأممي، بل واعطت الفرصة لروسيا كي تلعب بالمساعدات الإنسانية كورقة سياسية تبتز بها المجتمع الدولي في أروقة مجلس الأمن رغم وجود النص القانون الذي يسمح بمرور المساعدات دون الحاجة لقرار من المجلس. الابتزاز الروسي شجع النظام للسعي إلى فرض شروطه في عملية مرور المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا في محاولة منه للسيطرة على شريان الحياة الباقي للسوريين بعد أن تسبب في مآسيهم كلها خلال مدة الـ 12 سنة الماضية.

المشاريع الخدمية محاولات للأمل في واقع مرّ

رغم الصعوبات لم تغب مبادرات التعافي والبناء من جديد في شمال غربي سوريا، فكانت الجهود منصبة لإعادة الحياة وتأهيل المرافق الحيوية والأساسية لتخفف من هول الكارثة وتعطي فرصة للسوريين كي ينفضوا عن أنفسهم ليس غبار الزلزال وحده بل غبار حرب طال أمدها عليهم من قبل النظام وشركائه فقط لأنهم طالبوا بالحرية والكرامة.
الدفاع المدني السوري - الخوذ البيضاء كثّف من مشاريع البنية التحتية بمختلف مجالاتها سعياً منه في توفير بيئة مناسبة للحياة الكريمة للسوريين في شمال غربي سوريا.

ومن مشاريع تمديد شبكات المياه والصرف الصحي إلى إعادة تأهيل الطرقات كرس متطوعو الخوذ البيضاء إمكاناتهم وخبراتهم في خدمة السوريين، فكان مشروع شبكات مياه الشرب والصرف الصحي في تجمعات مخيمات كفر كرمين ـ الكمونة في ريف حلب الغربي الذي يخدم أكثر من 7000 منزل ومشروع تجهيز شبكة للصرف الصحي بطول 1650 مترًا على طريق سرمدا - البردقلي شمالي إدلب، توفر خدمة الإصحاح لأكثر من 6000 مدني، وكان للتعاون مع المنظمات الإنسانية الأخرى دوره في تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية كما هو الحال في إعادة تأهيل الطريق الواصل بين مدينة سرمدا ومفرق بلدة كفردريان في ريف إدلب الشمالي والذي يتم بالتعاون مع مؤسسة الشام الإنسانية بطول يبلغ 3150 متراً، أما مشروع إعادة تأهيل وتزفيت طريق الجسر الثالث في مدينة عفرين بطول 1650 متراً وطريق عفرين – كفرجنة بطول 9500 متراً فيأتي في إطار الجهود المشتركة للتحالف العملياتي المشكل في 25 آذار الماضي والمكون من المنتدى السوري، والدفاع المدني السوري، والجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز). وكان التحالف العملياتي قد أطلق أول مشاريعه لإعادة أكثر من 13,600 طالب وطالبة إلى 23 مدرسة متضررة من خلال مشروع ترميم المدارس الذي بدأ في 6 مدارس في شمال غربي سوريا، لتصبح جاهزة مع بداية العام الدراسي المُقبل.

إلى جانب ذلك سجل الدفاع المدني السوري تنفيذ الآلاف من العمليات الخدمية التي تهدف لتعزيز الصمود المجتمعي المحلي في مئات التجمعات السكنية، والمدن، والبلدات، والقرى، والمخيمات في شمال غربي سوريا. وتنوعت تلك الخدمات من غسيل المدارس والشوارع والحدائق والمنشآت العامة وعمليات حفر جور فنية وأساسات وحفر صيانة كهرباء، وعمليات ردم حُفر آبار مهجورة لتجنب حوادث السقوط، وحفر خط صرف صحي. كما نفذ المتطوعون أعمال تنسيق وتجميل مداخل ومخارج المدن وزرع الأشجار وسقايتها.

ولم تتوقف أعمال الدفاع المدني السوري عند ذلك بل استمرت محاور العمل الأخرى في المضي قدماً حيث واصلت الفرق جهودها في إزالة مخلفات الحرب والتوعية بها، وإلى جانب وجودهنّ في الصفوف الأولى للاستجابة العاجلة للزلزال استمرت متطوعات الخوذ البيضاء في تقديم الخدمات بمراكز النساء والأسرة أو من خلال زيارات دورية للمخيمات، كما استجابت فرق الإطفاء لعشرات الحرائق الزراعية والحراجية في أصعب التضاريس والظروف. إضافة إلى ذلك واصلت الفرق حملات التوعية بمخلفات الحرب والحرائق وسلبيات التكنولوجيا والأمراض بل وأطلقت حملات وقائية لمكافحتها مثل الحملة التي أطلقها الدفاع المدني السوري بالشراكة مع منظمة MENTOR لمكافحة داء الليشمانيا.

كل هذا ما كان ممكناً لولا دعم المدنيين السوريين لجهود الدفاع المدني السوري وتقديم كل ما أمكن لإسناد جهوده سواء في مرحلة البحث والإنقاذ أو خلال المراحل اللاحقة، كما لا يمكن إغفال الدول الداعمة والمانحة لمؤسسة الخوذ البيضاء في مسعاها لتوفير سبل العيش الكريم للسوريين ضحايا الزلزال وحرب روسيا والنظام.

ورغم الأعمال التي تقوم بها فرقنا لخدمة السوريين وتحسين البنية التحتية لا يلغي ذلك الواقع الصعب الذي تعيشه سوريا عموماً ومناطق شمال غربي سوريا خصوصاً، فالزلزال الأكبر الذي هز حياة السوريين وآمالهم حصل قبل أكثر من 12 عاماً على أيدي نظام الأسد وحلفائه ليأتي زلزال شباط ويفاقم معاناة السوريين ويخلف دماراً لن تمسح أثاره في المستقبل القريب، كما أن الطريق طويل والعمل مستمر، فهناك أكثر من مليوني مهجر جراء حرب روسيا والنظام لحق بهم 200 ألف من متضرري الزلزال أصبحوا بلا مأوى ينتظرون العودة إلى العيش تحت أسقف منازل تحميهم من برد الشتاء وحرارة الصيف.

لن يكون من السهل أبداً مواجهة آثار الزلزال طويلة الأمد، سوريا لم تكن تحت الأنقاض جراء الزلزال فقط، سوريا تحت الأنقاض منذ اثنا عشر عاماً، وعلى المجتمع الدولي أن يكون بجانب المنكوبين وألاّ يدعهم لمصير نهايته الموت مرة أخرى، وهذا يمكن أن يحصل فقط بتحقيق العدالة وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يمهد لحل سياسي ومحاسبة المسؤولين عن المأساة السورية وأيضاً لعودة المهجرين قسراً إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وحينها يمكن التعافي والبناء من جديد.

Test